الثلاثاء، 9 مارس 2010

مصر بين الحراك اللغوي والعملي


مقال



مصر بين الحراك اللغوي والعملي


بقلم - عبد الرحمن يوسف:




نعيش حالة من الحراك السياسي والثقافي في شتى أنحاء مصر إلا أنه حراك يدور في حلقة شبه مفرغة لأنه حراك لغوى أكثر منه عملي .

فأصبحنا نحقق نجاحات مدوية في إيجاد مصطلحات لغوية جديدة تصف الحالة
الراهنة و تحللها دون القدرة على ترجمة هذه المصطلحات أو الأفكار أو الروئ على أرض الواقع الأمر الذي أشاع قدر من التشكك لدى بعض الجماهير في جدية دعاوي الإصلاح المنطلقة من هنا أو هناك ،

فالظاهر للعين أن دعاوي و رؤى الإصلاح غير قادرة على تغيير الواقع و
هذا ما تطمح إليه بعض القوى المستبدة و التي هي المستفيد الأوحد من بقاء الوضع على ما هو عليه ،

و قد لجئت هذه القوى المعارضة للحرية إلي حيلة ماكرة تجمل بها وجهها و
تبقي الوضع كما هو لا يتغير و هذه الحيلة تتمثل في إفقاد المعارضة الفعل مع إعطاءها هامش من الحرية تعارض من خلاله قولا لا عملا مع إبقاء هذا الهامش باستمرار تحت السيطرة ،

و بذلك تضمن إفراغ شحنة الغضب و الممانعة في مهاترات و صياح تحول دون
استثمار طاقتنا في حرية الفعل مما يؤدي في غالبية الأحوال إلي عدم الخروج بنتائج مؤثرة و مثمرة في نفس الوقت.






و قد أرادت هذه القوى من هذه الحيلة أن تجعل للدولة نمط واحد و فكرة واحدة مثلها في ذلك مثل القوى الشمولية التي لا ترى التعددية إلا من منظور الحزب الواحد و الرؤية الواحدة فقط معتبرة أن كل من يخالفها هو من المخربين و الخونة و الجاهلين غافلين في هذا عن أن تعدد الرؤى و الإستراتيجيات يخلق مناخا مواتيا للإبداع الخلاق الأمر الذي يعطينا ثراء فكري يساعدنا على مواجهة التحديات بكافة صورها .


و بما أن حرية الممارسات الجدية والفعلية ستؤدى إلى اختبار الأقوال و الشعارات و الرؤى بشكل عملي على أرض الواقع فقد خشي هؤلاء من فضح أمرهم و كشف زيفهم لأن هذه الحريات ستؤدى إلى فرز الأطروحات و الأفكار علانية أمام الجميع مما سيتيح الفرصة لمعرفة من الأقدر بالبقاء والتنفيذ والإنتاج الأمر الذي سيؤدي في النهاية إلي خروجهم من ساحة السباق صفر اليدين.


والذي يظن أن هامش حرية التعبير قد اتسع نتيجة السماح بحرية بعض الكلام والصياح فأعتقد أنه لم يلاحظ أن عدم وجود حرية لترجمة القول إلى فعل وعدم إتاحة الفرصة لخروج الأفكار وانطلاقها من العقول إلى الحقول ومن العقول إلى المصانع ومن العقول إلى المنتديات يعد هو أبرز تجليات قتل حرية التعبير .


فمثلا أنت تستطيع أن تحبس طائرا في قفصه وتتركه يصيح كيفما يشاء ثم تدير له ظهرك أو تسد له أذنك أو تتظاهر باللامبالاة لماذا ؟


لأنك تعلم أن كل كلامه وصياحه ونداءه لن يكون له أثر في الواقع المحيط أما إذا تركته حرا طليقا وأجبرته على النطق بنصف ما كان يقوله فقط ولكن مع حرية في الحركة والفعل – و لو بسيطة - فبالتأكيد سيحدث تغيير ويترك أثر في المحيط الذي سينطلق خلاله وستكون هذه التغيرات دافعا ومحركا لمزيد من التغيير.





وهذا هو ما تخشاه العديد من الجهات التي لها مصلحه في إبقاء الوضع على ما هو عليه ,فقد لاحظت هذه الجهات إن القمع والحجر المتوالي على الأفعال والأفكار والأقوال سيظهرها بمظهر سيء خارجيا وقد يؤدى إلى تفجير الأوضاع داخليا وهنا لجئت إلى تقييد الأيادي وإطلاق الألسن بشكل نسبى مع إبقاء وضع الأرجل متحركة في نفس المكان .


وقد يقول البعض أن هذا شيء حسن في حد ذاته لأن هذه الانفراجة – المحدودة - لم تكن موجودة من قبل و هذا صحيح من حيث المبدأ فأي انفراجة صادقة النية هي خطوة واجب تأيدها بيد أني أرى أن لكل عصر أدوات القمع و أساليب التخويف و الترهيب و الترغيب المناسبة له و المستخدمة فيه و لكل فكر أدواته و آلياته التي يستخدمها بغض النظر عن طبيعتها.


إلا أن الحرية ليست حق ممنوح بل حق مكتسب و هي ليست منة بل أصل و حق إنساني و الحالة التي نحن بصددها أراها تبعث على الإحباط أكثر من التفاؤل لأنك حينما تكبل لفترات طويلة و تظل تصيح فإن هذا سيؤدي بك إلي إفراغ طاقتك في الهواء و لهذا يجب أن تعي القوى الطامحة للتغيير من هذا الفخ التي تستدرج إليه فهي بصدد لعبة توافق عليها بمحض إرادتها ثم ستكتشف أنها قد وافقت على قتل نفسها معنويا.

و على جانب آخر و في نفس السياق هناك من يقول أن الحالة لا تسمح بهذه
المبادرة التي تدعو إلي حرية الحركة و الفعل بحجة أن المجتمع غير مؤهل لهذه الممارسة ، و قد غفلت أو تغافلت هذه الفئة عن أن المجتمعات لا تنضج إلا بالتجربة و لا تؤهل إلا بالمحاولة و الممارسة التي تقوم على الصواب و الخطأ و التقييم لكل ما هو مطروح .


و ربما أتفق بشكل كبير مع الفئة القائلة بأن حرية الأفكار و التعبير يجب أن تقنن و أن يكون لها ضوابط و كذلك الفعل إلا أن هذا التقنين و هذه الضوابط لا تأتي إلا في إطار توافق عام بين جميع التيارات و يجب أن تحدد بميثاق أو قانون أو لائحة يجتمع عليها الجميع و لا تنفرد جهة دون أخرى بصياغتها مثلها في ذلك مثل الدستور الجديد الذي يحتاج إلي هيئة تأسيسية لصياغته.

فهل نرى في مصر قريبا دستور أو ميثاق أو لائحة يتوافق عليها الجميع حول
حرية الرأي و الفكر من جانب و حرية الفعل و الحركة من جانب آخر ...... أتمنى ذلك.


هناك تعليقان (2):

غير معرف يقول...

مقال رائع جدا

وتشبيهات موفقة

وفعلا الحرية هي حق طبيعي

وفعلا لايجب ان يهدر الإنسان طاقته في الاشيء فكل شيء مقنن

فلا يكون هناك تسلط مطلق من جهة ويقابله حرية همجية من ناحية اخرى

وبالتوفيق دائما

Unknown يقول...

شكرا جدا على رأيك - وفعلا على الناس أنها تسعى لحريتها بشكل واعي ومنطقي علشان يكون لمجهودها فائدة.

تحياتي لك / السلام عليكم